الفنان وليم نصار | حوار شامل مع جريدة الزمان

في الصحف والمجلات

وليم نصار  في حديث شامل لجريدة الزمان

حاوره بوطالب البوحية

"أغنيتي تحمل هماً إنسانيا"
"المبدع يطوّع الآلة لتعزف بوح المؤلف"

"أنا لست مجرد مؤلف موسيقي ومغني سياسي أنا في قلب الصراع ضد الإمبريالية والصهيونية والعنصرية ما دام هؤلاء يكرهون رائحة الحبق والهال العربي"
هكذا يفتتح وليم نصار موقعه الالكتروني ، عبارة تلخص المبدأ الذي انطلق منه ضيفي نحو الغناء السياسي ، والتأليف الموسيقي على طريقة (شرق- غرب) كما اسميها ، والتي تعرف بطريقة المزاوجة بين اللحن الشرقي واللحن الغربي ، وليم نصار لم اعرفه موسيقياً بل عرفته قبل ذلك رجلا يحمل هم وطنه الكبير في حقيبة صغيرة ، بين مونتريال وبيروت ودمشق وباقي عواصم الأرض الباردة منها والدافئة ، وساعة سماعي لمؤلفاته الموسيقية وما تفضي له موسوعته الغنائية شعرت إنني أقابل شخصاً من الصعب إدراك كنهه ورغم ذاك تغاضيت عن إدراكي وتوجهت له محملاً بأسئلة علها تسعف مخيلتي ومخيلة القارئ ، انتقلنا مع بعض في طرقات التأليف الموسيقي وأغاني الفقراء و"سكة السلامة" التي يجب على شرقنا اتخاذها سياسياً وثقافياً واجتماعياً ، في هذا الحوار المقتضب أرجو إن أكون قد قدمت شيئا بسيطا عن ما يتسع له عقل ضيفي صاحب السيجارة التي لا تنطفئ.

** هل تشكل الموسيقى لدى وليم نصار صورة درامية يعتقد في انتاجها ان المتلقي سيشاهد ويسمع في الوقت ذاته لا أن يسمع فقط ؟

ربما تكون إجابتي على السؤال حالمة بعض الشيء ... عندما أكتب موسيقا لا أفكر في المتلقي ... أكتب الموسيقا من أجل الابقاء على المصالحة مع الروح في ظل هذا الجنون الذي نعيشه. نحن نعيش في كوكب لا شكل له ... وعندما أكتب موسيقا فأنني أكتبها للهروب من هذا الكوكب إلى أماكن أكثر إنسانية، مع إدراكي المسبق بأنني أعبر في الموسيقا عما نشهده جميعا، ونعانيه، من قهر واستغلال وقتل وسلب لذاكرتنا وتاريخنا ولغتنا.
أما عند تقديم الموسيقا للمتلقي فهدفي الأول والأخير يكون محاولة البوح بمكنونات صدري للمتلقي دونما اضطرار لاستخدام الكلمة ... هذا بما يختص بالكتابة أو التاليف الموسيقي.

** هل لازلت ترى انك تعزف وتغني الاغنية اليسارية ، أم ان انحسار التوجه اليساري في الاعوام الماضية بعد الثورة "العولمية" وازدياد هالة التأثير الليبرالي على اقتصادات المجتمعات ادى بك الى تغيير نمط الاغاني والالحان التي عملت دوماً على ان تكون موجهة للفقراء والمظلومين؟
في البداية أنا لست مع تسمية أغنيتي باليسارية ... أنا أصنع أغنية ولا أصنفها يسارية أو قومية أو وطنية ... أغنيتي تحمل هما إنسانيا وتعبر عن الهم الانساني أولا وأخيرا ...

طبعا مع اغتناء التجربة لا بد من تطوير أدوات الانتاج الموسيقي والغنائي .. فليس من المعقول أن تبقي على نفس الاسلوب الغنائي والموسيقي في زمن الانترنت والعولمة الثقافية والاقتصادية والسياسية ... بمعنى الاهتمام بالجمالية الموسيقية إلى جانب الكلمة المغناة يصبح أولوية وهما مضافا في صناعة الاغنية .

أما فيما يختص بانحسار التوجه اليساري فانني اخالفك في الرأي، فهذا التوجه لم ينحسر بل كان في كبوة واستفاق منها لحسن الحظ ... وهذا اليسار يستعيد دوره بشكل مذهل ولا يزال قادرا على استقطاب مختلف الشرائح الاجتماعية.

** ما هي "سكة السلامة" التي يعتقدها وليم نصار حلاً لما يمر به شرقنا العربي؟

كي نصل إلى بر الأمان لا بد من التحرر من سلطة النظام وسلطة القبيلة والعشيرة والعائلة والطائفة والمؤسسة الدينية. فمشاكلنا الرئيسية ليست فقط في الاحتلال وما يزرعه في مجتمعاتنا من فتن وأمراض، بل أيضا في ثقافة الخوف المتأصلة داخل كل فرد منا.

** لن استطيع ان افهم وليم نصار موسيقياً ومغنياً و"شاعراً" دون ان افهمه سياسياً منهمكاً بواقع منطقته العربية ، والاغنية التي تنتجها تعتبر نشيجاً لما تحمله من افكار ومداخلات سياسية ، هل غنى وليم نصار بعيدا ً عن السياسة؟
إذا كنت تقصد بسؤالك إذا ما غنيت للحب أو للمرأة أو للجسد ... فأقول لك نعم وهذا لا يتعارض مع قناعاتي الفكرية والسياسية. وعلى العموم فأنا أغني هموم الناس ... أحلامهم ... وما لا يستطيعون البوح به ... وبالتالي فأن أغنيتي ليست سياسية بقدر ما هي أغنية أتعبها حب الناس وأرهقتها همومهم وأحلامهم .

** من المؤكد انك سمعت وشاهدت وقرأت اعمال متعددة مسرحية وسينمائية وغنائية وادبية ، اي من هذه الاعمال تتمنى ان تجد له جزئاً ثانياً؟
شخصيا أنا ضد مبدأ الأجزاء في الأعمال الفنية ... أشعر بأن انتاج أجزاء أو تتمات لا يكون سوى لاغراض تجارية لا اكثر.

** ما هي العناصر التي يمكننا رصدها في قائمة أولوياتك الفنية؟
العمل الموسيقي المتكامل ... فالكلمة المعبرة والمفهومة والغير مستهلكة... وبنهاية القائمة منتج أو شركة انتاج عربية لديهم الشجاعة الكافية لانتاج عمل موسيقي أو غنائي لي، بدلا من البحث والتعامل مع شركات إنتاج ومنتجين أجانب.

** في ذاكرتك فترة متأزمة تمثلت في الحرب اللبنانية – اللبنانية واقصد الحرب الطائفية ، هل تعتقد انك في تلك الفترة استطعت ان تخفف من حدة وهول المشكلة من خلال انتاجك الفني؟ ، وهل تجد انك اليوم أمام تحدٍ غير منتهيٍ لوأد مثل هكذا توجهات؟
عندنا مثل لبناني يقول "تنزكر وما تنعاد" ... الموضوع ليس موضوع تأزم بل جرح يستمر بالنزف ... تخيل أن يدخل منزلك ثلة من مسلحي الطوائف ويحرقونه ويمزقون صور العائلة وأرشيف صور طفولتك ... تشعر بعدها بأنك سلبت من ذاكرتك ... ومن بعدها تجد نفسك مضطرا لاعتبارهم حليفا لك لسبب قناعاتك الفكرية.
أما بالنسبة للانتاج الفني أو الغنائي المرتبط بتلك المرحلة ... فأنا لم أحاول من خلال أعمالي التخفيف من وطأة تلك المشكلة بل انخرطت في صلبها فنيا ونضاليا وطرحت حلولا ...
ففي إحدى أغنياتي والتي أتحدث بها عن إحراق منزل العائلة أقول:
يا إمي شيلي حجابك -
وبيعي الدهبيات -
وجيبي بحقن مونة -
بواريد ورايات -
ولو فيكي يا إمي
تمحي عن الحيطان - الشعارات العتيقة
كزابي هالحيطان -.

بالامس القريب كانت مسألة التعصب الطائفي والمذهبي والديني تشكل أمرا مفصليا في نشاطي الموسيقي والكتابي والنضالي ... أما اليوم وعلى الرغم من استفحال التعصب الديني في منطقتنا فقد توصلت إلى قناعة تامة بأنه المطلوب منا أن نتلهى بهذا الموضوع كي ننسى قضية أهم وأكبر إسمها فلسطين، واحتلال العراق الخ... لذا وبفطرة طفولية ارتأيت بأن كل تلك القضايا التي تعاني منها مجتمعاتنا العربية والتي يتم التهويل بها ليس الهدف منها سوى إلهاءنا عن القضايا الرئيسية ... ولهذا السبب فان قضيتي الرئيسية منذ سنوات موسيقيا وثقافيا ونضاليا هي فلسطين ... وإنتاجي الموسيقي والغنائي والكتابي خلال السنوات القليلة الماضية كان لفلسطين فقط لا غير ...

فلسطين هي البدايات والنهايات ... فلسطين من النهر إلى البحر وليس بلدتي الموز والفلفل في أريجا وغزة.

** عملك الموسيقي الغنائي فيه نوع من المزج بين الموسيقى الشرقية والايقاعات والميلوديهات الغربية ، وانا اعرف ان هذا المزج وُلد في المنطقة من خلال ما انتجه الموسيقار محمد عبدالوهاب ، هل لك ان توضح لنا رؤيتك حول هذا الموضوع؟
الموسيقار عبد الوهاب كان مقداما في هذا الاطار وقد استخدم الآلة الغربية في أماكن محددة ... ولو أطال الله في عمر عبد الوهاب لكان أبدع في استخدام التقنيات الموسيقية الحديثة.

الموسيقا هي الموسيقا .. نحن جزء من هذا العالم الكبير .. وعلى موسيقانا أن تحاكي الجزء الآخر من هذا العالم ... صحيح أنني أستخدم مزيجا من الآلات الشرقية والغربية.. إلا أنني أعمل على تطويع الآلة لتعزف ما أكتبه.... سواء كانت تلك الآلة شرقية أو غربية.

طبعا الجينر أو اللون الموسيقي أيضا يلعب دورا في عملية استخدام الآلة ... بمعنى إذا ارتأيت أن أكتب أو أوزع موسيقا بقالب جاز أو روك أو بلوز لمقطوعة معينة أعمل على تطويع الآلة لصالح القالب الموسيقي.

من هنا فأن الآلة هي منفذة فقط لما يكتب موسيقيا، وهنا تدخل الثقافة الموسيقية والمعرفة الاكاديمية وعلم التوزيع وتآلف الأصوات أي الهارموني في عملية الكتابة للآلات المختلفة، بحيث تبرز قيمة وميزة كل آلة.

** يقول ماديسون (يجب ان يتحلى الناس بالفضيلة والذكاء ليختاروا اشخاصاً ذوي فضيلة وحكمة ، هل ترى أن مجتمعنا العربي اليوم قادرٌ على مزاولة هذا الاختيار؟
برأيي أولى خصائص الفضيلة هو أن تتقبل الرأي الآخر ... مجتمعنا العربي غير مهيء بعد لتقبل النقد ... لا زلنا نعيش في عقلية العصر الجاهلي ومنطق العشيرة يغلب كل منطق آخر..
كيف لمجتمعنا العربي أن يختار وهو أسير الخوف المعشش في القلوب ابتداء بالخوف من الحاكم وانتهاء بالخوف من شرطي السير ... هكذا مجتمع تم زرع الخوف في قلبه وورث هذا الخوف لأبناء الأبناء لا يستطيع الاختيار. لقد تم زرع داخل كل فرد منا شرطي ...

** "بعض الجنون هو الذي ينقص الانسان كي يقطع الحبل ويصير حراً" هذا ما قاله زوربا ، وليم نصار هل قطعت هذا الحبل أم انك تبحث عن (بعض الجنون) ؟
ربما ما قاله زوربا صحيح نوعا ما، إلا أني مؤمن بأن الحرية تولد مع الانسان وهو من يعمل إما على تكميمها أو عيشها إلى أقصى الحدود. أنا ولدت حرا وروحي متمردة بالفطرة.