الفنان وليم نصار الموسيقي والمناضل | مجلة الحرية

في الصحف والمجلات

وليم نصار الموسيقي والمناضل

محمد السهلي مدير تحرير مجلة الحرية
 

لم أستغرب  عندما طالعت على صفحات الانترنت أن الموسيقي اليساري وليم نصار رفض استلام جائزة مهرجان الموسيقى العالمي قبل نحو شهرين وقيمتها ستون ألف دولار أميركي ومجسم بيانو مذهب.

image-1وليم نصار لم يتسلم الجائزة لأنه كان من المتوجب عليه مصافحة موسيقية صهيونية معروفة بعدائها الشديد لحقوق الشعب الفلسطيني تدعى هيلاينا آنجل، وقال الموسيقار الكبير مخاطبا لجنة المهرجان: «لتقطع يدي ألف مرة قبل أن أصافح ممثلة دولة تحتل بلادنا وتقتل أطفالنا». وأضاف «لا يشرفني أخذ جائزة على حساب محو ذاكرتنا ودمائنا».

طبعا.. اللجنة سحبت الجائزة من الفنان نصار وهو لم يأسف لذلك لأنه كان صادقا في موقفه كما هو طيلة مسيرته الفنية والنضالية المشرفة التي بدأها في بيروت طفلا في سبعينيات القرن الماضي.

التقيت الموسيقار وليم نصار في دمشق قبل سنوات عدة وكان قادما من «منفاه الاختياري» كما يحب تسميته، وجاء إلى مخيم اليرموك ليضع خبرته الموسيقية في خدمة قضية آمن بها. وشاءت الظروف أن أكون أحد الشهود على فشل جهوده في هذا المجال.

طموحات وليم اصطدمت بجدار غياب الوعي لدور الفن عموما والموسيقى على نحو خاص في خدمة قضايا الشعوب وسعيها إلى التحرر، فالموسيقى رسالة إذا وجدت من هو خبير بصياغتها وتوجيهها إلى العناوين الصحيحة (كما هو وليم) كانت سلاحا عصريا نافذا إلى قلوب مستمعيها على اختلاف انتماءاتهم وثقافاتهم. ولكن ذلك وحتى ينجح كان يحتاج إلى فهم ووعي لدور الفن وهو ما لم يكن متوافرا لدى معظم المسؤولين عن مفاصل العمل الوطني الفلسطيني واللبناني، وربما جميعهم.

غياب وعي ندفع ثمنه كل يوم ونزداد تأخرا، ونخسر جهد فنانين موهوبين ومناضلين لا يعرفون المهاودة مع أعداء الشعوب وحقوقهم.

وليم نصار، مؤلف موسيقي تقدمي، ينتمي إلى جيل الأغنية الملتزمة، أو ما اصطلح على تسميتها بالأغنية السياسية. شكل إلى جانب مارسيل خيفة وسامي حواط وغيرهم، تيارا موسيقياً غنائياً، له قاعدته الشعبية، وله جمهوره وأهدافه الفنية والثقافية والسياسية والإنسانية...
ـ أصدر وليم نصار أربعة أعمال غنائية بين عامي 1984 ـ 1991 (لكم أغني ـ بكرا ـ أغنيات ـ طوايف).

ـ له عمل موسيقي بعنوان الولد والجمل الأحمر.
ـ كتب موسيقى العديد من المسرحيات والأفلام (مسرحية الجراد في المدينة ـ فيلم وجوه (إنتاج كندي) (فيلم هوية ممزقة) إنتاج كندي.

ـ شارك في العديد من المهرجانات الدولية

حول تجربته الفنية كان معه هذا الحوار:

* بعد هذا الغياب الطويل... لو نستعيد معاً بداية التجربة.

** البدايات كانت في المرحلة الابتدائية، حيث كنت أستمتع بالخروج في المظاهرات الطلابية التي كان يقوم بها طلاب المرحلة الثانوية، كي أحفظ الهتافات التي كنت أجد فيها نغمة وإيقاعا موسيقيا مميزا... وكنت أردد هذه الهتافات دون فهم معانيها.. مع بدايات مرحلة المراهقة، فاجأتنا الحرب الأهلية في لبنان عام 1975، وسرقت منا أجمل مراحل حياتنا، المسروقة أصلاً بفعل الهزائم المتواصلة..

في هذه المرحلة، قمت بتشكيل فرقة صغيرة، وكنا نجول على الملاجئ والمستشفيات و«المحاور» لنقدم أغانينا التي لم تكن سوى الهتافات التي كنت أحملها في ذاكرتي إضافة لأغنيات معروفة كنا نغير كلماتها.
وكان هذا النشاط بمثابة المساهمة في الدفاع عن الثورة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية، بالأسلوب الذي كنا قادرين عليه.

التجربة الحقيقية بدأت بعد الاجتياح الصهيوني للبنان وحصار بيروت في العام 1982، عندما لمست فراغا ثقافيا وطنيا في بيروت، نتيجة القمع، وكانت الأغنية، المتضرر الأكبر من هذا الفراغ.... فكان لا بد من المبادرة وتشكيل فرقة، وابتدأت نشاطي مجددا بحفلات أشبه ما تكون بالعمل السري، وكانت أول حفلة في منزل في مخيم برج البراجنة حيث تجمع عدد من النشطاء من لبنانيين وفلسطينيين، وأنشدنا جميعا لبيروت وفلسطين والحرية.

ثم أقمنا حفلات تحد في الجامعة اللبنانية، وفي مراكز الأحزاب الوطنية وعلى المحاور القتالية المواجهة للجيش الصهيوني في الجبل واستمر الحال هكذا حتى انتفاضة 6 شباط 1984 في بيروت حيث كان لي الشرف في إحياء أول أمسية غنائية سياسية بعد تحرير بيروت على مسرح كلية بيروت الجامعية في 16 آذار (مارس) 1984 واستمر العمل بعدها على مسارح بيروت والشوف وفي الشمال والجنوب، وشاركت في العديد من المهرجانات الدولية والعربية.

* لوحظ في مسيرتك الفنية أنك تسعى إلى تظهير القيمة التعبيرية لأعمالك من خلال الموسيقى بشكل أساسي، أو بمعنى آخر أنت تغلب المشروع الموسيقي على الأغنية «المتكلمة» ما هو تعليقك؟

** أجيب بنعم ولا في الوقت نفسه، نعم لأننا جزء من هذا العالم الكبير الذي يجب على موسيقينا أن يترجموا أعمالهم إلى مستوى العالم.. وهذا لا يعني على الإطلاق نسخ تجارب الآخرين وإلا وقعنا في فخ «الاستعمار الثقافي» على الرغم من أن ذلك حاصل جزئيا.

وأجيب بلا لصالح استخدام الكلمة في الموسيقى لأننا ما نزال نعيش في عصر يسيطر فيه الشر على الخير، ونحن بحاجة لسلاح الكلمة وتضمينها في موسيقانا في إطار الخطاب الفني الموسيقي المقاوم.
أدركت بعد التجربة، أنه لا بد من إيلاء الجانب الموسيقي حقه... فلم يعد كافيا الاهتمام بالكلمة على حساب الموسيقى. من هنا، كان لا بد من التعاطي مع الكلمة كجملة موسيقية بحد ذاتها، أي استخدام الكلمة والصوت البشري كآلة موسيقية تعزف لحنا أو نغمة موسيقية أسوة بباقي الآلات... وقد ابتدأ هذا الاهتمام تحديدا بعد إصدار شريط «بكرا».

* عندما تغلب المشروع الموسيقي على الأغنية ببنائها المعروف أليست هذه مغامرة في منطقة مثل منطقتنا؟
** نحن جزء من هذا العالم ومن الضروري أن تكون موسيقانا كذلك جزءا من الموسيقى العالمية، نحافظ على هويتها ونطورها فنحن ومنذ قرون طويلة نشتغل نصف موسيقى إذا جاز التعبير فمعظم موسيقانا تقوم على عنصرين من أربعة لازمة، فنعتمد الإيقاع واللحن، ونهمل الهارموني واللون الموسيقي المميز لكل عمل عن الآخر لقد عرف العالم الجانب الهارموني في الموسيقى منذ القرن التاسع الميلادي، واشتغل الموسيقيون والمؤلفون على إبراز اللون الموسيقي لكل عمل وهو ما يشبه البصمة التي تميز الإنسان عن الآخرين.

بعد أن أصبح من الصعب إقامة نشاط موسيقي وغنائي ملتزم في لبنان، وبعد خيبات أمل عديدة توجتها لقاءات مدريد وحاولة اغتيال فاشلة، وجدت نفسي مضطرا لمغادرة لبنان نهائيا والانضمام إلى عائلتي، وكان أكثر ما شغلني في منفاي الاختياري هو متابعتي للدراسات العليا في الموسيقى.

تعرفت خلال دراستي إلى موسيقيين محترفين غربيين، وعشت تجارب موسيقية أثمرت عن دعوتي للمشاركة في مهرجان الموسيقى في مونتريال بكندا وحصلت على جائزة المهرجان عن أفضل تأليف وتوزيع موسيقي... ونقلتني هذه التجربة إلى تجارب أخرى.. طبعا استفدت من غربتي القسرية ومن منفاي الاختياري، فإلى جانب الدراسة الأكاديمية امتلكت خبرات تكنولوجية تتعلق بالموسيقى وتقنيات التسجيل والمونتاج الحديثة...

إلا أن أكثر ما استفدت منه، هو تبلور مشروعي الموسيقي. وبالأخص بعد نشاطي في الخارج في مكافحة العولمة ونصرة القضايا العربية.. وها أنا أعود لكي أضع كل ذلك في خدمة ما أؤمن به، خصوصا في تلك المرحلة التي يجري فيها العمل على شطب قضية الشعب الفلسطيني من خلال محاولة إلغاء المطالبة بحق العودة..

بعد الاجتياح الصهيوني للبنان، نشأ فراغ سياسي امتد ليشمل الجانب الثقافي بشكل عام والموسيقي الغنائي بشكل خاص.. وما أراه اليوم ليس فراغا سياسيا فقط، بل فراغ أيديولوجي يشمل فيما يشمله بعض من اعتدنا على تسميتهم بالفنانين الملتزمين..
في السابق كان القادة سياسيون ومثقفون في الوقت نفسه، ماركس كان شاعرا وأديبا، فيكتور جارا كان مناضلا وموسيقيا، غسان كنفاني كان ثوريا وروائيا، كمال جنبلاط كان قائدا وشاعرا الخ...

اليوم القائد أو المسؤول الفلسطيني أو اللبناني أوالعربي، ليس بشاعر ولا بأديب... ويعتبر الثقافة جزءا من ديكوره..
العدو الصهيوني ومنظماته يخصص مليارات الدولارات لإنتاج أعمال فنية مختلفة على مستوى إبداعي وتقني عال جدا... أما نحن فما زلنا ننظر إلى الأغنية كأداة لترقيص الجمهور أو للترويج لموقف سياسي حزبي.. أغنية «بأمر عسكري» وإذا حاولت الخروج عن تلك الشروط فلا موسيقى ولا أغنية.
هذا الأمر لا يؤثر على تطور العمل الإبداعي وحسب، بل يتعداه إلى تخريب مزاج الجمهور وذوقه ووعيه السياسي حتى... وباعتقادي أن هذا جزء من الفساد، الرسمي والحزبي معا.

* من يتحمل مسؤولية ذلك؟
** السياسي أولا، ومن «يعملون» في مجال الأغنية ثانيا، وإذا كنت ستقول لي بأن الوضع الاقتصادي والاجتماعي الخ... لهم تأثير مباشر فسأعارضك بقوة. أنظر إلى ما فعله اليهود في الحرب العالمية الثانية، وقبل اغتصاب فلسطين، لقد استخدموا ما يسمى بالمحرقة في أعمال فنية، جيشت لصالحهم 90% من سكان الكرة الأرضية.

السياسي لا يتعاطى مع الموسيقى والأغنية من وجهة نظر ثقافية، بل من منطلق سياسي وحزبي ولا يحاسب الموسيقي على موسيقاه، والشاعر على قصيدته، والرسام على لوحته، بل يحاسبون ويقيمون بمعايير سياسية وحزبية وشخصانية، وهذا أعلى درجات الجهل والتخلف.
ادينا عدد غير قليل من المثقفين والكتاب والشعراء والفنانين.. أريد أن أسألهم: أين المشروع الثقافي اليساري أو العربي؟ ما هو هذا المشروع؟ لماذا لا يوجد مشروع ثقافي؟

واقعنا صعب، والتعبير عنه موسيقيا وغنائيا أصعب، خصوصا إذا حاولت التعبير عنه دون الوقوع في مطب الخطاب السياسي والشعارات... واقعنا فيه مرارة لا توصف، لكنني مصر على الحياة والحلم وكتابة الموسيقى والأغنية رغم كل شيء..

* أجري هذا الحوار قبل سنوات عدة (عام 2003) ولكن ظروفا إدارية استثنائية أدت إلى فقدان نصه إلى أن تم العثور عليه قبل أسبوع.